يؤكد
علماء النفس أن أي عمل تريد تنفيذه ينبغي قبل كل شيء أن تدرك فوائده،
ليكون العمل فعالاً ويعطي النتائج المطلوبة. وعندما كنتُ أتأمل كتاب الله
تعالى وجدتُ أن البارئ عز وجل يرغّبنا في الجنة، وعندما يأمرنا بعمل ما
يتبعه بالفوائد التي سنجنيها من هذا العمل. وعندما ينهانا عن عمل ما فإنه
يوضح لنا سلبيات هذا العمل
وأضراره والآيات كثيرة في هذا المجال.
وأضراره والآيات كثيرة في هذا المجال.
ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن
يحدثنا عن أهمية الوقت استخدم أهم لحظة في تاريخ المؤمن، وهي
يحدثنا عن أهمية الوقت استخدم أهم لحظة في تاريخ المؤمن، وهي
وقوفه بين يدي خالقه سبحانه وتعالى، فقال: لا تزولا قدما عبد حتى يُسأل عن أربع... ومنها عن وقته فيما أنفقه. فربط بين استثمار الوقت بما
يرضي الله، وبين دخول الجنة والأسئلة التي سيواجهها كل منا. ولذلك سوف
نعدد بعض الفوائد لاستثمار الوقت واستغلال كل ثانية دون في عمل مفيد.
إدارة الوقت والسعادة
تقول الدراسات الحديثة إن الإنسان الذي يعرف كيف يستغل وقته في أعمال مفيدة ونافعة، يكون أكثر سعادة من أولئك الذين يضيعون أوقاتهم من دون فائدة! فالسعادة مرتبطة
بما يقدمه المرء من أعمال نافعة. وتعود بي الذاكرة إلى أيام دراستي
الجامعية حيث كان لدي الكثير من الوقت ولم أكن وقتها أعرف شيئاً عن استغلال
الوقت حتى بدأت بحفظ القرآن الكريم، وعندها بدأت رحلة السعادة مع كتاب
الله تعالى. فالقرآن يعلمك كيف تستثمر وقتك بالكامل، فكل لحظة هناك عبادة
أو ذكر أو صلة رحم أو عمل نافع أو علم نافع...
وهذا ما جعلني أشعر بسعادة غامرة لم أكن أعرفها من قبل، فكان استغلال الوقت هو المفتاح للسعادة الحقيقية. فإذا أردتَ أن تحصل على السعادة فتعلم كيف تستثمر وقتك، ولا تترك حياتك ووقتك تبعاً للظروف المحيطة مثل قارب تتقاذفه الأمواج دون توجيه، فإن النتيجة ستكون الغرق!
إدارة الوقت تمنحك الرضا والنجاح
معظم الناس غير راضين عن حياتهم وواقعهم بسبب عدم معرفتهم لأهمية الوقت،
وهذا ما يسبب لهم الكثير من الاضطرابات النفسية، فعلماء النفس يؤكدون على
أن معظم الأمراض النفسية تنشأ نتيجة عدم الرضا عن الواقع. وهذه المسألة
تسبب مشاكل نفسية وآلام لا تقل عن الآلام العضوية. وقد وجدتُ بعد تجربة
طويلة بأن أفضل طريقة للتغلب على هذه المشكلة أن تفرغ جزءاً من وقتك
وتستثمره في تدبر القرآن والاستماع إليه.
إن
تأمل آيات القرآن وتدبّر معانيها يجعلك تدرك أن كل شيء في هذا الكون بيد
الله تعالى، ولا يتم أمر إلا بإذنه، ولا يحدث معك شيء إلا بتقدير وعلم
وحكمة منه عز وجل. وهذا يجعلك ترضى عن كل ما يحدث معك، ويجعلك تشعر بمراقبة
الله لك وعلمه بما يحدث معك. فكثير من الأطباء النفسيين لا يفعلون أي شيء
لمرضاهم أكثر من الاستماع إلى همومهم ومشاكلهم، وهذا بحد ذاته علاج للمريض
النفسي. وعندما تعلم بأن الله تعالى يرى ويسمع ويعرف كل ما يحدث معك، فإنك
ستشعر بالرضا عن الواقع الذي تعيشه لأنه مقدر عليك.ٍ
وبالنتيجة
فإن استثمار الوقت في ذكر الله تعالى يمنحك الرضا عن واقعك، وهذا يشعرك
بالسعادة ويزيد من طاقتك في إنجاز أعمالك أو دراستك، وبالتالي تكون قد خطوت
خطوة على طريق النجاح. إذاً إدارة الوقت الناجحة تعني النجاح في الدراسة والعمل.
غالباً ما يقف كل واحد منا أمام خيارين أو عدة خيارات وعليه أن يتخذ القرار الصحيح! ويؤكد علماء النفس حديثاً أن عملية اتخاذ القرار
ليست عملية لحظية، بل تخضع لتفاعلات كثيرة ومعلومات تراكمية مخزَّنة في
دماغك، ولذلك كلما كان استثمارك للوقت أفضل وكلما كان دماغك منظماً، كانت
قراراتك صحيحة وصائبة أكثر!
إدارة الوقت والمال
تعتمد معظم أبحاث إدارة الوقت
على نتيجة واحدة هي كسب المال، ونحن كمسلمين لا نضع كسب المال كهدف، بل
كوسيلة لتحقيق أهداف أسمى مثل التصدق على الفقراء والإنفاق على الأهل
والأولاد وإنفاق المال فيما يرضي الله تعالى، أي أن كسب المال هو وسيلة
لكسب رضا الله تعالى! ولذلك فإن المؤمن بحاجة لثقافة إدارة الوقت
ليتمكن من العيش بشيء من الرفاهية دون إسراف ولا تقتير. فالإسلام دين
الوسطية... التبذير من عمل الشيطان، والشح من عمل الشيطان أيضاً، والاعتدال
هو الطريق الأمثل الذي أمرنا به الله تعالى.
لقد
ربط الله في كثير من آيات القرآن بين الرزق والتقوى، وأهم عنصر من عناصر
التقوى استغلال الوقت في الأعمال الصالحة، والثقة بالله تعالى وعطائه، وأنه
قادر على رزق عباده، نحتاج الثقة بالله تعالى، وعندما تستغل وقتك في رضا
الله سيسخر لك الله كل شيء لخدمتك، وسييسر لك أسباب الرزق، ولذلك أقول: إن
الإدارة الناجحة للوقت تعني المزيد من الرزق بإذن الله.
فوائد لا تُحصى لإدارة الوقت الفعالة
لو أردنا أن نعدّد فوائد الإدارة الفعالة للوقت
سوف نحتاج لمجلدات... ولكن يكفي أن نقول إن الإدارة الصحيحة للوقت على ضوء
الكتاب والسنّة تعني: إنجاز الكثير من الأعمال في زمن قصير... تعني حل
العديد من المشاكل بجهد أقل... تعني الاستقرار الاجتماعي والنفسي... تعني
المزيد من الاستقرار العاطفي والشعور بالسعادة والقوة والتفاؤل... تعني
التخلص من التراكمات السلبية التي تنهك طاقات الإنسان ... وتعني التخلص من
الحزن والقلق وتعني أنك بدأتَ حياة جديدة، لن تستطيع الكلمات وصفها، ولكن
بمجرد أن تعيش هذه التجربة ستدرك روعة تنظيم الوقت وإدارته.
في
عالم النمل نجد أفضل أنواع الإدارة للوقت، فالنملة لا تترك دقيقة تمر دون
عمل، تقوم بالتعاون والتنسيق مع بقية أفراد المجموعة، وتستثمر الوقت بصورة
رائعة، بل تقوم بأعمال ربما يعجز عنها الإنسان! ويعتبر العلماء أن النمل
لديه طريقة فنية في إدارة الوقت، فهل نتعلم من هذه المخلوقات الصغيرة؟!
الوقت الفعال
يعتمد تنظيم الوقت
قبل كل شيء على الزمن المتوافر لديك كل يوم، فاليوم 24 ساعة، هناك وقت
للنوم بحدود 6 ساعات (يفضل أن تكون على مرحلتين: 4 ساعات في الليل وساعتين
في النهار)، إذاً يتبقى لدينا 24 – 6 = 18 ساعة، هذه المدة يجب أن ننقص
منها ما يقوم به الإنسان من قضاء لحاجته وطعام وشراب واغتسال وهذه المدة
تحتاج لساعتين وسطياً، ويبقى لدينا 18 – 2 = 16 ساعة، ولكن هناك أشياء أخرى
يجب أن نفعلها كمسلمين، وعلى رأسها الصلاة، وهذا الوقت مقدَّس، ويجب أن
يكون على رأس اهتماماتنا، ونحتاج لأداء الصلوات الخمس مدة ساعة على الأقل،
ويبقى لدينا 16 – 1 = 15 ساعة.
هناك
فترة عمل يلتزم بها معظم الناس (من أجل لقمة العيش) مثل وظيفة أو عمل حر
أو تجارة أو دراسة في مدرسة أو جامعة.. أو غير ذلك، وهذه المدة تكون بحدود 8
ساعات يومياً، ويبقى لدينا وقت الفراغ الفعال: 15 – 8 = 7 ساعات! تصوروا
أن معظم الوقت استنفذ على حاجات الإنسان الضرورية، ولم يتبق إلا 7 ساعات
يمكن أن يستغلها في أشياء أخرى. ولكن معظمنا لا يستفيد من هذه الساعات
السبع!
إن
هذه الفترة كافية لتقوم بأشياء كثيرة، وعلى رأسها حفظ القرآن، ولكن معظم
الناس يقولون لا يجدون وقتاً للقيام بمثل هذا العمل، مع العلم أنه أهم عمل
في حياة المؤمن، لأنه سيغير الكثير. ومن خلال الطريقة الإبداعية سوف نرى
بأن الإنسان يمكن أن يستغل الـ 24 ساعة ويستثمرها بشكل فعال، حتى وقت نومه!
استغلال الوقت أثناء النوم
من
الأشياء العجيبة أن الدماغ أثناء النوم يبقى في حالة نشاط وعمل واسترجاع
للذكريات وإجراء تنظيم لها، بل إن النوم يزيد من قدرة الإنسان على الإبداع،
ولذلك يجب استغلال هذه الفترة بالاستماع إلى القرآن الكريم والتعلم.
وموضوع التعلم أثناء النوم يشغل بال العلماء اليوم، حيث يحاولون رصد
العمليات التي تتم في دماغ النائم، ومدى تأثره بالكلمات التي يستمع إليها
وهو نائم، وذلك من خلال جهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي fMRI .
استغلال الوقت أثناء العمل
أهم قاعدة من قواعد النجاح أن
تضع هدفاً ويصبح هذا الهدف كلّ همِّك تفكر فيه طوال اليوم، وتعمل عليه حتى
يتحقق. وبالتالي فإن وقت العمل ضروري لإنجاز الكثير. فكثير من الناس
يستطيع إنجاز أشياء كثيرة خلال فترة عمله كل يوم. مثلاً يمكن أن يستمع إلى
القرآن أثناء عمله أو قيادته للسيارة أو أثناء جلوسه على مكتبه، وقد كان
همّي دائماً هو القرآن: كيف أفهمه وكيف أحفظه وكيف أتعلم أشياء جديدة كل
يوم من القرآن، وكيف أعيش كل لحظة مع القرآن... ولذلك وجدتُ البركة في
الوقت، وهذه القاعدة يغفل عنها كثير من الناس.
يمكن
أن تستغل وقتك في التفكير بالهدف الذي تسعى لتحقيقه، وبالنسبة لي فقد كان
هدفي الأول: كيف أصبح كاتباً في الإعجاز العلمي، فكنتُ أستغل كل دقيقة في
التفكير وطرح الأسئلة: كيف يمكنني أن أحقق هذا الهدف، وماذا أحتاج من أجل
ذلك... وبسبب التفكير الدائم وبفضل من الله تعالى حققت هذا الهدف خلال
سنوات قليلة.
حتى
وقت نومك يمكن استثماره في تعلم أشياء جديدة، وقد استخدمتُ هذه الطريقة
لسنوات، حيث كنتُ أستمع للقرآن وأنا نائم، وهذا ما ساعدني كثيراً على حفظ
القرآن، وعلى شفاء بعض الأمراض، فالاستماع إلى القرآن يعتبر علاجاً ناجعاً
لكثير من الأمراض، ولكن بشرط أن تثق بهذا الشفاء الإلهي "المجاني"! وعندما
تتمتع بصحة أفضل لابد أن تتمكن من تنفيذ أعمال أكثر وبالتالي استثمار وقتك
بشكل أفضل!
استغلال الوقت الضائع
هناك
وقت ضائع كبير يشمل المواصلات وزيارات الأصدقاء والأقارب والأعمال اليومية
والوقت المخصص للأولاد وللزوجة أو لبرّ الوالدين أو لمشاهدة التلفزيون أو
الاستماع إلى الراديو ووقت ضائع كبير في الإنترنت وغير ذلك، وهذه يجب
استغلالها وسوف نتعلم طريقة لذلك.
فمن خلال المقالة الثانية في هذه السلسلة سوف نعيش مع خطوات عملية في إدارة الوقت: كيف نحقق الاستغلال الأمثل لوقتنا، وكيف تحقق النجاح في العمل أو الدراسة من خلال إدارة الوقت، وكيف تحل أي مشكلة في زمن قصير جداً ... وغير ذلك من المعلومات النافعة والقواعد المهمة التي يحتاجها كل واحد منا في حياته.
وأخيراً إليكم بعض النصائح السريعة
- انظر إلى الوقت على أنه كنز ثمين بين يديك أعطاك الله هذا الكنز فهل تبدّده من دون مقابل!
- انسَ أي مشكلة تصادفك ولا تعطها أكثر من دقيقة أو دقيقتين من تفكيرك... وبعد ذلك انتقل للتفكير في قضية أخرى.
- قبل النوم حاول أن تفكر ماذا يجب أن تنجز في اليوم التالي... وبعد الاستيقاظ حاول أن تفكر فيما ستحققه في يومك هذا..
-
أكثر من الدعاء ومن الاستغفار ومن تلاوة القرآن! فهذه الأشياء تجعلك أكثر
اطمئناناً وتساهم في استقرار عمل القلب والدماغ، مما يساعدك على الإبداع
والتفكير بطريقة أفضل.
- تفكر في مخلوقات الله! فالتأمل يساعد على الإبداع وعلى اتخاذ القرار الصحيح. وبالتالي سيوفر عليك الوقت الذي ستضيعه مع القرارات الخاطئة.
-
لا تغرّنك الدنيا وزينتها وأموالها وأغنيائها! وخير مثال قارون الذي امتلك
من الكنوز ما يعجز عن حمل مفاتحه الأقوياء. ولكنه بسبب غروره خسف الله به
الأرض، فماذا استفاد من علمه وماله؟
- لا تشعر بالفشل، فهذا الشعور عدوّ الوقت. بل حاول المرة تلوَ الأخرى وسوف تنجح ولك أجر المحاولة.
كما قلنا ونقول دائماً:
الوقت كنز بين يديك فإما أن تستغل هذا الكنز لمزيد من السعادة والنجاح،
وإما أن تبقى غافلاً عنه فتخسر الكثير من الأشياء... والقرآن الكريم قدّم
أفضل أسلوب لإدارة الوقت، ويكفي أن نعلم أن وقت المؤمن كله مشغول بأعمال
مفيدة، ولا يوجد لدى المؤمن وقت فراغ وهنا تتجلى عظمة القرآن وإعجازه.
فما
أكثر الآيات التي تحض المؤمن على استغلال وقته وتنذره بقرب أجله، فتأملوا
معي هذا المشهد الذي صوره القرآن، قد يتعرض له أي واحد منا، ألا وهو لحظة
الموت: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ
هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
[المؤمنون: 99-100]. فالموقف صعب وعصيب، ولن تحصل على ثانية إضافية واحدة
بعد لحظة الموت، وهذا ما يجعل المؤمن في حالة شغل كامل ... فليس لديه وقت
يضيعه، وليس لديه فراغ "يقتله" وليس لديه اكتئاب أو وسواس أو هموم، بل هو
في حالة انشغال في طاعة خالقه وابتغاء مرضاته والتقرب منه.
والآن
يا أحبتي إليكم بعض الخطوات العملية لإدارة الوقت الناجحة، وبالطبع هذه
الخطوات مستوحاة من القرآن والسنة، وحبذا لو تبدأ عزيزي القارئ منذ هذه
اللحظة باستدراك ما فاتك وتطبيق هذه الخطوات وليكن التوكل على الله منهجك
في التطبيق فهو القائل: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].